الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من يتقِ الله يجعل الله له مخرجاً من كل شيء:
لازلنا أيها الإخوة في اسم الرزاق، والآية التي ينبغي أن تكون في مقدمة هذا الدرس:
﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)﴾
أحياناً الآية لها معنىً في سياقها، والآية وردت في سورة الطلاق، أي أنه من يتق الله في تطليق زوجته فيطلقها طلاقاً سنّياً لا طلاقاً بدعياً يجعل الله له مخرجاً إلى إرجاعها، أما إذا نُزعت الآية من سياقها فلها معان لا تعد ولا تحصى، فمن يتقِ الله في اختيار زوجته يجعل الله له مخرجاً من الشقاء الزوجي، ومن يتقِ الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم، ومن يتقِ الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من إتلاف ماله، ومن يتقِ الله فيوحده يجعل الله له مخرجاً من الشرك، ويمكن أن نتحدث عن هذه الآية ساعات وساعات، ولكن في موضوع الرزق: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ فالأمر بيد الله، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
فهذا الذي يستقيم على أمر الله له عند الله رزق وفير، وهذا الكلام ينطبق على كل مسلم إلى يوم القيامة، وهذا الوعد فوق الظروف الصعبة، وفوق انتشار البطالة، وفوق قلة المكاسب، جميع الظروف الاستثنائية التي تَحُول بين الإنسان والرزق تُعَطّل مع هذا الوعد الإلهي لكل مسلم إذا استقام على أمر الله عز وجل، وكل إنسان يتعامل مع الله وفق هذه الآية له عند الله رزق وفير، ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ وذكرت أن الإنسان حينما يبحث عن مخرج أي أن الأبواب كلها مغلقة.
ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ
فعلاقتك مع الله في هذا الموضوع اتقِ الله، عبدي كن لي كما أريد ولا تُعلمني بما يُصلحك، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.
في هذا الموضوع لو أن الإنسان تعامل مع الله مباشرة فاتقى الله، وحرص حرصاً لا حدود له على طاعته، الله عز وجل هو الرزّاق، يرزقه من حيث لا يحتسب، والقصص على هذا المعنى والتي تؤكد هذا المعنى والله لا تُعد ولا تحصى، وهذا ليس خاصاً بإنسان دون إنسان، هذا لكل مسلم.
سيدنا يونس في بطن الحوت قصةٌ وقانون:
أوضح لكم هذه الحقيقة من خلال هذه الآية عن سيدنا يونس، نبي كريم يجد نفسه فجأة في بطن حوت، والحوت وزنه مئة وخمسون طنًّا، خمسون طناً من اللحم، وخمسون طناً من العظم، وخمسون طناً من الدهن، ويُستَخرج منه تسعون برميلاً زيتاً، والإنسان بإمكانه أن يقف في فم الحوت على قدميه، وجبته المعتدلة أربعة أطنان، هو لقمة واحدة، نبي كريم يجد نفسه فجأة في بطن حوت قال تعالى:
﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾
دقق الآن، قَلَبَ الله القصة إلى قانون، قال: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ في كل زمان، وفي كل مكان، وفي كل مِصر، وفي كل قطر، وفي كل ظرف، إن كنت في الهواء، أو كنت على أطباق الماء، أو كنت تحت الثرى، ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ .
هذا القرآن لنا، هذا القرآن يبين لنا أن الله مع المؤمن، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)﴾
أي احتمال النجاة صفر، فرعون بجبروته، بطغيانه، بحقده، بأسلحته، بما يملك يتْبَع شرذمة قليلة، والبحر أمامهم، لا يوجد أمل:
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾
هذا الكلام لنا، ينبغي ألا نيأس، ألا نقع في الإحباط، أن نُحسِن الظن بالله، إذاً: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ كن صادقاً، كن أميناً، انصح الناس، لا تفكر أن تكسب الرزق بمعصية، ما عند الله لا ينال بمعصيته، من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ والقصص التي تؤكد هذا المعنى والله لا تعد ولا تحصى.
قانون التيسير:
أيها الإخوة؛ الإنسان أحياناً يشكو من التعسير، ربنا وإلهنا وخالقنا يقول:
﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)﴾
الأمور ميسرة، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾
التيسير له قانون، اللهُ عز وجل التعامل معه وفق قواعد ثابتة، ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)﴾
تقول: لي أعمال خطيرة، لي ذنوب كبيرة، نقول لك: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ ثلاث آيات في سورة الطلاق، الأولى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ الثانية: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ الثالثة: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ .
وسائل وأسباب زيادة الرزق:
1 – الاستقامة على أمرِ الله وتعليق الأمل به سبحانه:
الآن هل من وسائل ذكرها القرآن أو هل من أسباب بيّنها الكتاب في زيادة الرزق؟ وكما تعلمون الإنسان حريص حرصاً لا حدود له على بقائه، وعلى سلامة وجوده، وعلى كمال وجوده، وعلى استمرار وجوده، وعلى رزقه، الله عز وجل يقول:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)﴾
أول أسباب زيادة الرزق الاستقامة على أمر الله، قد يُحرم المرء بعض الرزق بالمعصية، بيت تؤدى فيه الصلوات، محل تجاري فيه غضّ بصر، فيه ضبط لسان، فيه إقامة صلوات، هذا المحل التجاري مرزوق، ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ أحد أكبر أسباب زيادة الرزق الاستقامة.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)﴾
حزن مع الإيمان بالله مستحيل، الأمر بيده، وهو معنا يسمع، ويرى، ويعلم، والأمر كله بيده، لذلك:
كن مع الله تـر الله معك واتـرك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعه؟ ثم من يعطي إذا ما منعـك؟
فتعليق الأمل بالله عز وجل والاستقامة على أمره أحد أسباب زيادة الرزق.
سبب آخر:
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾

أحياناً تنزل أمطار ما ينزل في عام بأكمله يمكن أن ينزل في ليلة واحدة،
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾ أنا مرة كنت أستمع إلى حوار بين صاحِبَي معملي تطريز، قال له: بعنا بيعًا مخيفاً، قال له: ما السبب؟ قال له: الأمطار هذا العام كانت غزيرة، الرزق في السماء.
أيها الإخوة؛ الآن الإيمان والتقوى أحد أسباب زيادة الزرق، وكل مؤمن حريص على أن يكون رزقه وفيراً، هذا شيء مركوز بأعماقه، لذلك عليك أن تستقيم على أمر الله، الآية الدقيقة:
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)﴾
عليك أن تعبد الله وعلى الله الباقي، هناك معنى دقيق جداً: ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ﴾ عليك أن تعبد الله، والله سبحانه وتعالى يتولى أن يرزقك رزقاً وفيراً، إذاً اشكر بعدها، ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ أنا لا أريد لإنسان يؤمن بالله أن ييأس، أن يشعر بالإحباط، أن يقول: الأمور صعبة جداً، على الله ليس هناك شيء صعب، على الله كله يسير، ما عليك إلا أن تستقيم على أمره.
الآن أحد أسباب زيادة الرزق:
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)﴾

الأب أحياناً يسأل: أتناول ابنه الطعام قبل أن ينام؟ تقول له: أكل، هل كتب وظائفه؟ كتب، قلّما يسأل امرأته: هل صلى العشاء؟
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ البيت الذي تُؤدى فيه الصلوات بيت مرزوق، المحل الذي يُصلي أفراده الصلوات الخمس محل مرزوق،
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ واصطبر على أدائها، علِّموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف، هذا سبب ثالث لزيادة الرزق أن تقام الصلوات في البيت وفي العمل.
شيء آخر؛ هناك رجل جاء إلى بعض العلماء يشكو له من عدم الإنجاب، قال له: استغفر الله، إنسان آخر يشكو له من مشكلة فيما بينه وبين أهله، قال: استغفر الله، إنسان سأله أن المطر لا تهطل، قال له: استغفر الله، قال له: عجبت لك يا إمام، أو كلما سألك إنسان تقول له: استغفر الله، قال: اسمع قوله تعالى:

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)﴾
هذا كلام خالق السماوات والأرض، وزوال الكون أهون على الله من ألا يُحَقق وعوده للمؤمنين: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ .
5 – اتباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام:
إخوتنا الكرام؛ المسلمون ينعمون في بحبوحتين، بحبوحة اتباع سنة رسول الله وبحبوحة الاستغفار، الدليل:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾

معنى الآية بعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، أي يا محمد ما دامت سنتك مطبقة في بيوتهم، وفي أعمالهم، وفي كسب أموالهم، وفي إنفاق أموالهم، وفي حلِّهم وفي ترحالهم، وفي أفراحهم وفي أتراحهم، مادامت سنتك مطبقة فيهم أمتك في مأمن من عذاب الله، فإذا عُذِّبت أمة محمد عليه الصلاة والسلام الدليل عدمِ تطبيق السنة،
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن تُعَذّب أمته ومنهج النبي عليه الصلاة والسلام مطبَّق فيها، هذا المعنى يُذَكّرنا
(( بأن النبي عليه الصلاة والسلام أردف خلفه معاذاً قال له: يَا مُعَاذُ َمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَلَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. ))
أنشأ الله لك حقاً عليه، إذا عبدته لك حقّ عليه ألا يعذبك، لذلك:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾
هذه دعواهم: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾ وإذا قال المسلمون: نحن أمة محمد، يُقال لهم قياساً على هذه الآية: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾ الإمام الشافعي يقول: لو أن الله قَبِل دعواهم لمّا عذبهم، لأن الله لا يُعَذب أحبابه:
كن مع الله تـر الله معك واتـــــــرك الكل وحاذر طمعك
أيها الإخوة؛ نحن في بحبوحة أخرى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ نحن في بحبوحتين؛ بحبوحة طاعة رسول الله، وبحبوحة الاستغفار: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ .
أيها الإخوة؛ سبب آخر لزيادة الرزق في الحديث الشريف الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام:
(( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ-أي في أجله-فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. ))

أحد أسباب زيادة الرزق أن تصِلَ رحمك، وأن تعفو عمن ظلمك، فلذلك أنا أضع بين أيديكم قواعد من كتاب الله ومن سنة رسول الله لزيادة الرزق، وشيء معروف عند كل الناس أن الابن إذا كان باراً بإخوته وأخواته له رزق وفير، أيّ إنسان يخرج من ذاته لرعاية مَن حوله مِن أقربائه هذه صلة للرحم، ومن السذاجة أن نتوهم أن صلة الرحم أن تطرق بابه في العيد، وتُسلِّم عليه، وتعود إلى بيتك، صلة الرحم تبدأ باتصال هاتفي، تمر بزيارة، بتفقد الأحوال، بمساعدة، بدلالة على الله، فإذا اتصلت به وزرته، وتفقدت شؤونه وأعنته، ثم دللته على الله هذه هي صلة الرحم، وصلة الرحم ضمان اجتماعي على مستوى القرابة، ورعاية الجار ضمان اجتماعي آخر على مستوى الجغرافيا، فأنت لك أقرباء، ولك جيران، فالله عز وجل أوصاك بأقربائك، وأوصاك بجيرانك، وهذا النظام تضامن اجتماعي في الإسلام، لذلك مرة ثانية:
((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ–يتوسع-وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ-أي في أجله- فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)) .
أيها الإخوة الكرام؛ سبب آخر لزيادة الرزق يُقاس على آية، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)﴾
المسلمون القرآن، ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ أي أقاموا أحكامه ﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ ونقول للإخوة المسلمين: لو أن المسلمين أقاموا القرآن الكريم في بيوتهم لأكلوا مِن فوقهم، ومِن تحت أرجلهم، هذه آيات دالة على عظمة الله، هذه آيات مبشرة، اقرأ القرآن وانظر إلى البُشريات التي فيه لمَن استقام على أمر الله.
الابتعاد عن أكل أموال الناس بالباطل:
لكن كفكرة سلبية في هذا الدرس، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)﴾
سمّى الله مال أخيك مالك، عجيب، من زاوية واحدة، من زاوية وجوب الحفاظ عليه، كيف أنك تحافظ على مالك، للتقريب: لو أنك أعرت مركبتك إلى صديقك تقول له: اجعلها كأنها مركبتك، أي: اعتنِ بها، ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾ لا تأكل مال أخيك لأنه يجب أن يكون بمثابة مالك من زاوية واحدة لا من زاوية أكله، من زاوية الحفاظ عليه،﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ لذلك كل أنواع الغش في البيع والشراء من باب أكل أموال الناس بالباطل، كل أنواع التزوير، الإيهام، الاحتكار، معاصي البيع والشراء تزيد عن مئة، كل أنواع المعاصي في البيع والشراء تحت قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ إذا أوهمت الشاري أن البضاعة من مصدر معين، وهي من مصدر آخر، ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ .
أيها الأخوة؛ هذا أيضاً من تماماً الاستقامة على أمر الله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ هناك سبعمئة ألف دعوى كيدية في قصر العدل، كلها من أجل أكل أموال الناس بالباطل:
لو أنصف الناس لاستراح القاضي وبات كلّ عن خليطه راضياً
أيها الإخوة الكرام؛ لابد من التأكيد على أن الاستقامة على أمر الله، والإيمان بالله، والتقوى، وصلة الرحم، وإقامة منهج رسول الله، والاستغفار هذه كلها من أسباب زيادة الرزق، وكل واحد منا حريص على زيادة رزقه، ولكن الشيء الذي ينبغي أن يكون واضحاً جداً هو أن الله قطَع البشر عن أن يكون لهم دور في إنهاء حياة بعضهم بعضاً، وفي رزق بعضهم بعضاً، كلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تُقرِّب أجلاً، ومن ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى، وما عند الله لا يُنال بمعصية الله، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتُذَل، وأن تعصيه وتُعَز، سبحانك إنه لا يذِلّ من واليت، ولا يعز من عاديت، وهذه وسائل السلامة والسعادة، وزيادة الرزق، والله سبحانه وتعالى هو الرزّاق، ولكن الرزق له قواعد بيّنها القرآن الكريم، وبينتها سنة سيد المرسلين.
الملف مدقق